«استعد لرعب لا يُنسى» أفضل ألعاب الرعب المتاحة الآن في الجزء الخامس

يمكن قراءة الجزء الرابع من المقال هنا
Bloodborne
- المطور: FromSoftware.
- المنصّة: PS4.
تُعتبر Bloodborne واحدة من أكثر تجارب الرعب إثارة، رغم عدم عرضها كلعبة رعب تقليدية، فهي تمتد مباشرة من أسلوب ألعاب Dark Souls، حيث تبرز قدرتها على خلق أجواء رعب تفوق ما يُقدّم في ألعاب الرعب التقليدية، إذ إنها لعبة أكشن–آر بي جي تركز على إدارة الإحصائيات، وإتقان أسلوب القتال، واستيعاب أسلوب اللعب الصارم الذي قدمته FromSoftware، ومع ذلك تتمكن من بث إحساس بالخوف والتوتر بشكل أكبر من أي تجربة تعتمد على الرعب المباشر.
تأخذنا اللعبة إلى مدينة Yharnam، التي تبدو وكأنها كابوس مستمر مستوحى من أوروبا الفيكتورية، ولكنها ليست كما نعرفها، إذ يتحول الواقع تدريجيًا إلى أهوال كونية مستلهمة من أعمال Lovecraft، فالعالم غارق في الدماء، ويعاني من الجنون، حيث تتحول شوارعه المرصوفة إلى متاهة من الرعب الوجودي، إذ لا يمكن الوثوق بأي شيء.
تتفوق Bloodborne في خلق جو خانق من التوتر، فكلما تقدّمت في الأزقة المظلمة، تسمع همسات خافتة خلف الأبواب المغلقة بإحكام، وتعبيرات مبتورة تجعل اللاعب يتساءل: من أنت؟ وما حقيقة “الصيد” الذي تجد نفسك فيه؟ هذا الغموض المتواصل يخلق إحساسًا عميقًا بالقلق، يجعل كل خطوة إلى الأمام مخاطرة، وكل عدو تواجهه يشكل تهديدًا غير متوقع.
على الرغم من أن التركيز الأساسي في اللعبة يدور حول القتال العنيف، فإن الرعب النفسي هو جوهر التجربة، إذ لن تكون المخلوقات التي تواجهها مجرد وحوش، بل تجسيد للجنون، والتحوّل، والفساد الكوني، وتدفعك اللعبة لمواجهتها وجهًا لوجه بسرعة وقسوة، دون دروع أو أساليب دفاعية، مما يجعل القتال نفسه مصدرًا للرعب.
ما يميز Bloodborne أكثر هو السرد الغامض، فهي لا تخبرك القصة بشكل مباشر، بل تترك لك مهمة تجميع عناصر الحكاية عبر البيئات، والأدوات، والحوارات المقتضبة، ومع الوقت تبدأ الصورة بالاكتمال، لتظهر قصة أعمق وأشد رعبًا مما يبدو واضحًا.
إنها أفضل لعبة رعب كوني في عالم الألعاب، وليست مجرد تجربة لعب، بل رحلة في عمق كابوس مليء بالأسرار، والدم، والجنون، فالرغبة في اكتشاف الحقيقة تدفعك للاستمرار، كما أن نظام القتال الوحشي يحفزك على إتقان مهاراتك للبقاء.
تعتبر Bloodborne ليست فقط من بين أفضل ألعاب FromSoftware، بل واحدة من أعظم تجارب الرعب النفسية في تاريخ الألعاب.
Devotion
- المطور: Red Candle Games.
- المنصّة: الحاسب الشخصي (PC).
رغم أن لعبة Devotion ارتبطت بمشكلات إصدارها والجدل الذي رافقها، فإن قيمتها الحقيقية تكمن في كونها درسًا متقنًا في سردّ البيئة، وكيف يمكن للمكان وحده أن يخلق رعبًا لا يُنسى، فهي ليست لعبة تعتمد على المواجهات أو البقاء، أو القفزات المفاجئة، بل تتمحور حول إحساس ثقيل بالخوف الزاحف يزداد كلما اكتشفت المزيد من خبايا المنزل الذي تتجوّل فيه.
جوهر الرعب في Devotion هو المعرفة، إذ تتكشف كل جزء من القصة عبر تفاصيل صغيرة تبدو عابرة، لكنها تعيد تشكيل الصورة بالكامل مع تقدمك في اللعبة، صور على الجدران، وأصوات مكتومة في الممرات، وغرف تتغير ملامحها بشكل غير طبيعي، كل تلك العناصر تُراكم التوتر النفسي وتخلق شعورًا متزايدًا بأن شيئًا مأساويًا قد حدث هنا، وأن الحقيقة أكثر ظلمة مما قد تتوقع.
بصريا، تقدم اللعبة مستوى فني مذهل، باستخدام الإضاءة واللون والمساحات الضيقة بطريقة تجعل اللاعب يشعر بأن المنزل نفسه شخصية حية تراقب وتغلق عليه دائرة الرعب تدريجيًا، ورغم بساطة التفاعل في اللعبة، فإن هذه البساطة مقصودة، لأنها تجعل التركيز بالكامل على الأجواء والقصّة والرموز، مما يضع اللعبة في مصاف أعمال كلاسيكية مثل Amnesia من حيث القدرة على خلق رعب نفسي عبر الفضاء بدلاً من المواجهة.
Devotion ليست مجرد لعبة رعب، بل تجربة قصصية غامرة تُظهر كيف يمكن للألعاب أن تنقل رسائل عميقة ومؤلمة عبر السرد الصامت والبيئة وحدها، فهي رحلة قصيرة نسبيًا، لكنها تترك أثرًا ثقيلاً في الذاكرة، وتجعل اللاعب يعيد التفكير طويلًا في معنى الإيمان، والخوف، والانهيار البشري.
لهذا تُعد Devotion واحدة من أكثر ألعاب الرعب تأثيرًا في العقد الأخير، تجربة نفسية فريدة تُثبت أن الرعب الحقيقي لا يحتاج إلى صرخات أو مطاردات، بل يكفيه منزل واحد يحمل ماضيًا لا يريد أن يُنسى.
Resident Evil 4 (2023)
- المطور: Capcom.
- المنصّات: PS4، PS5، Xbox Series X، PC.
تُعتبر Resident Evil 4 Remake واحدة من أكثر مشاريع Capcom طموحًا في سلسلة الريميكات التي تعمل عليها منذ سنوات، إذ تُظهر أن الشركة وصلت إلى مستوى نضج واضح في إعادة صياغة ألعابها الكلاسيكية، فالنسخة الأصلية التي صدرت عام 2004 كانت ولا تزال واحدة من أهم ألعاب الرعب والبقاء في التاريخ، وقد تركت بصمتها على أجيال من اللاعبين، ولكن النسخة الجديدة لعام 2023 لا تكتفي بإعادة تقديم التجربة نفسها، بل تسعى لتطويرها وتضخيمها وتعديلها بالكامل لتناسب معايير ألعاب الجيل الجديد دون فقدان روحها الأساسية.
من اللحظة التي يدخل فيها Leon S. Kennedy إلى القرية الإسبانية المُعزولة، يشعر اللاعب أن اللعبة نجحت في المزج بين الأجواء الأصلية التي أثارت الرعب منذ أكثر من عقدين، وبين التحديثات البصرية والميكانيكية التي تجعل كل مواجهة أكثر توترًا وواقعية، فالأجواء أصبحت أكثر كثافة، والإضاءة أكثر درامية، والظلال تلعب دورًا نفسيًا في خلق الرعب البطيء الذي تشتهر به السلسلة، كما تم تصميم القرويين (Ganados) بشكل جديد يزيدهم عدائية وتهديدًا، مما يكشف عن تأثير طفيليات Las Plagas على أجسادهم وحركتهم بطريقة مرعبة.
أما نظام القتال فقد حصل على تحسينات كبيرة، فأصبح استخدام الأسلحة أكثر سلاسة، وحرية الحركة أثناء التصويب باتت جزءًا طبيعيًا من التجربة، كما تمت إعادة صياغة أنماط الذكاء الاصطناعي للأعداء، فأصبحوا لا يتحركون في خط مستقيم فحسب، بل يتعاونون ويتصرفون بطرق غير متوقعة، ويظهر هنا الدور العظيم لـ Merchant الذي عاد بشخصيته الغامضة وصوته الأيقوني ونبرته البريطانية المميزة، إذ أصبح مخزونه أغنى وأكثر تنوعًا، مع خيارات تطوير محسّنة للأسلحة تشجع اللاعب على التجريب وبناء أسلوب لعبه الخاص.
ومن اللافت للنظر أن الأعداء والزعماء الأسطوريين في اللعبة، مثل Dr. Salvador بمنشاره المرعب، والأختين Bella Sisters، وأولئك المصابون الذين تنفجر رؤوسهم لتكشف عن طفيليات متلوية، يظهرون بقوة أعنف وتصميم بصري أكثر رعبًا من ذي قبل، حيث تحولت مواجهاتهم إلى أحداث سينمائية كاملة تشعرك بأنك في قلب معركة بقاء شرسة.
كذلك تعتبر المشاهد الأكثر هدوءًا في اللعبة هامة بنفس القدر من المعارك العنيفة، إذ يولّد التوتر القادم من البيوت المظلمة والممرات الضيقة، والصمت المفاجئ بعد موجة من الصراخ، شعورًا بأن العيون تراقبك من خلف الشقوق، مما يجعل من Resident Evil 4 Remake تجربة رعب نفسي وجسدي في آن واحد.
يمكن للنسخة المُعاد تطويرها أن تُقدّم بثقة باعتبارها واحدة من أفضل ألعاب الرعب في العقد الأخير، وأحد أفضل ألعاب الأكشن على الإطلاق، إذ تتمتع باحترام للأصل، وتعيد إحيائه بشكل مبتكر، مع تقديم مستوى من الجودة يجعلها تجربة مستقلة وضرورية حتى لمن لم يلعب النسخة الأصلية.
إنها لعبة تجمع بين النوستالجيا والحداثة، وبين الحركة والرعب، وبين الوفاء للماضي والتطلع نحو المستقبل، وهو توازن لم تنجح فيه سوى قلة من الألعاب عبر تاريخ الصناعة.
كاتب




