عنده ثقة مجهولة المصدر

عنده ثقة مجهولة المصدر

صاحب المعلومة اليتيمة أو معدومها أكثر خلق الله تعصبًا أعمى وعنادًا أخرق لرأيه. الطفل يعاند؛ لأنه فاقد المعلومة، أو لأنه يبحث عنها. الكبير لا.

آدم كانت لديه المعلومة الذهنية الكاملة، ولم يكن مستوعبًا للتركيبة النفسية لإبليس، فأخطأ، ولكنه رجع. إبليس لا.

فرق السماء والأرض بين النقاش والجدل.

أنت معك (2) وأنا معي (3).. هاتان المقدمتان توصِّلان إلى نتيجة واحدة حتمية (5). هذا هو النقاش.. مقدمات توصل إلى نتيجة واحدة.

أنت معك (1) وأنا معي (3)، وتصر على أن النتيجة التي وضعتها قبل المقدمات (5)، وتجهد نفسك في أن تقنعني بأن (1) رقم بالضِّعف، أو أنَّ لديَّ ضَعف نظر. هذا هو الجدل.. نتيجة تلوي أعناق المقدمات.

أصحاب المعلومة الوحيدة كانوا مؤمنين بأن جمال عبد الناصر إله، وأصحاب المعلومة الواحدة في الطرف الآخر يجزمون أنه شيطان، وبينهما زُمْرَة من العقلاء.

العلماء تستوقفهم أي معلومة مهما كانت تفاهتها؛ للبحث عن صحتها، ومتطفلو الثقافة والعلم يلحدون أدمغتهم في قَبْو المعلومة العمياء.

عندما ناقشت نجيب محفوط عام 1992 في جملة مكررة بثلاثيته ظل قرابة الـ 20 دقيقة يفكر، ويراجع نفسه في عمل استُهْلِكَ طباعة، وكان يتفحص الجملة بنظارته “كعب كباية”، ممسكًا بعدسة ترتعش في يده، حتى إني أشفقت عليه، ثم تنهد، وقال بحماس: “افتكرت.. دي جملة حوارية بيسترجعها البطل؛ عشان هتعمل تحول نفسي ودرامي”.

ما أسهل أن يقول لي رائد الأدب العربي “إنت مين علشان تعدِّل عليَّ؟!”، ولكنه وهو في قمته كان يبحث عن المعلومة.

أخبرني الروائي المرحوم علي ماهر أن الكاتب العظيم بعد أن ينتهي من أي عمل أدبي، يجلس في مقهى علي بابا بميدان التحرير أمام أصدقائه طالبًا ينتظر نتيجة الامتحان، ويُدوِّن كل ملاحظة يقولونها بعد قراءة عمله قبل طباعته.

هكذا كان الكاتب الراحل يعقوب الشاروني طوال عملي معه قرابة الـ 40 عامًا، وكان منطقه “الكلمة اللي توقَّفك هتوقَّف قراء تانيين غيرك”.

المسألة احتياج.

ستقابل في حياتك من يتباهون بالتمرغ في الرفاهيات؛ لأنهم يحتاجون لتعويض الضيق الذي عضَّهم بقلب منزوع الرحمة، فتعاملوا مع السَّعَة بنفس المنطق.

هؤلاء يُطلَق عليهم في تراثنا الشعبي “عَدُّوا الفقر”، و”شبع بعد جوع”، وفي تراثنا العربي “محدثي نعمة”. وما أكثرهم في زماننا، سواء في الفن، أو السياسة، أو الاقتصاد، أو حتى في كشك سجاير.

هناك من يشرح قلبَه أزماتُك، وينغص عليه انفراجاتُك. لا يلتفت إلى ما لديه من نعم الله.


المسألة تركيز.

حدِّد أين موقعك. عندما تتعالى فأنت وضيع ترنو إلى العلو، وعندما تتواضع فأنت عليٌّ تطمح إلى التواضع، فلا تكابر في معلومة أو خطأ، فتغلق باب الانتقاد الذي هو لصالحك، سواء بحسن نية، أو بغير ذلك.

المسألة مَوْضِع.

تذكر دائمًا قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب “رحم الله امْرَأً أهدى إليَّ عيوبي”. وكلنا عيوب، وهذا أهم درس في قصة آدم، أن أول إنسان وأول نبي في أول تكليف أخطأ، ورجع، بينما قاد عناد وكبر عزازيل، الذي كان أتقى خلق الله إلى أن يكون إبليس اللعين؛ لأنه استخدم المنطق خطأ في الجدال لا النقاش، فقدم النتيجة “أنا خير منه” على المقدمات “خلقتني من نار وخلقته من طين”، رغم أن المنطق يقول إن الخالق هو أدرى بِمَنْ خير مِنْ مَنْ، بينما ناقشت الملائكة بالمقدمات “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟”، وسلَّمت بالنتيجة، وهي العلم “إني أعلم ما لا تعلمون”، بينما آدم لم يجادل أو يناقش، وتراجع.

الخلاصة عند تورطك الحتمي كبشر في الخطأ حدِّدْ وِجْهَتَك: آدم، أم إبليس؟

فالمسألة تحديد مصير.

الرابط المختصر https://alhorianews.com/d59y

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *