اخبار الخليج

«تعزيز التعاون الثنائي» رؤية 2030 وأميركا أولاً ترتقيان بمستوى المباحثات السعودية

اختار الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، المملكة العربية السعودية لتكون محطته الخارجية الأولى خلال ولايتيه الرئاسيتين الأولى والثانية، بينما يبدأ الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، زيارة رسمية هي الثانية له إلى الولايات المتحدة، من المتوقع أن تعزز العلاقة، التي بدأت في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، وتفتح آفاقًا جديدة نحو “شراكة استراتيجية”.

وتعد هذه الزيارة، وفقًا لاثنين من كبار خبراء العلاقات السعودية – الأميركية، فرصة لدعم المصالح المشتركة، سواء كانت ضمن شعار “أميركا أولاً” أو “رؤية 2030” السعودية، كما تساهم في تعزيز الاستقرار والسلام على الصعيدين الإقليمي والدولي.

صرح أستاذ دراسات الشرق الأدنى ومدير “معهد دراسات الشرق الأوسط المعاصر وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى” بجامعة برينستون، البروفسور برنارد هيكل، في حديثه مع “الشرق الأوسط”، بأن زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن “بالغة الأهمية؛ لأنها تجسد سنوات من المفاوضات بين السعودية والولايات المتحدة حول مجموعة من الاتفاقيات” المتعلقة بالأمن المتبادل، والدفاع المشترك، وإنتاج الطاقة النووية المدنية، والتعدين والمعادن النادرة، والذكاء الاصطناعي، وتبسيط المبيعات العسكرية.

وأضاف هيكل أن هذه الاتفاقيات تشير إلى أن السعودية والولايات المتحدة “حليفان استراتيجيان”، وتمنح طابعًا رسميًا لهذا النوع من التحالف، كما تساعد في طي فصل مهم من التوتر الذي شهدته العلاقات الأميركية – السعودية في الماضي القريب.

أبعد من النفط والأمن

يرى رئيس “دائرة الشؤون الدولية” في جامعة تكساس “إيه آند إم”، البروفسور غريغوري غوس، في حديث مع “الشرق الأوسط”، أن الزيارة “تعد مؤشرًا على تعزيز دور الأمير محمد بن سلمان القيادي سواء على مستوى البلاد أو في المنطقة، وحتى في الساحة العالمية”، لكنه أكد في نفس الوقت أن القضايا التي تناقشها الزيارة “قائمة منذ فترة طويلة”.

كان غوس يتحدث عن العلاقة التي نشأت بين السعودية والولايات المتحدة بعد الاجتماع الشهير بين الملك عبد العزيز والرئيس تيودور روزفلت عام 1945، مشيرًا إلى “ثبات” هذه العلاقة رغم ما شهدته من “تقلبات” بين الحين والآخر، معزّيًا ذلك إلى “المصالح المتبادلة التي تتداخل بين الطرفين؛ لذا أعتقد أن العلاقة السعودية – الأميركية ستستمر” بشكل أعمق من المعادلة التبادلية بين الأمن والنفط التي يحاول البعض اختصارها بها.

في الواقع، لا يعتقد هيكل أن العلاقة السعودية – الأميركية قد تأسست على “مسألة النفط مقابل الأمن”، واصفًا ذلك بأنه “وهم”، مشيرًا إلى تطور العلاقة الثنائية مع الوقت، وارتكازها على “المصالح المشتركة بين البلدين، بالإضافة إلى رؤية مشتركة للعالم”، حيث لطالما سعت كل من الولايات المتحدة والسعودية إلى استقرار الشرق الأوسط الذي تشهد عليه حرية تدفق التجارة، لافتًا إلى “التشابه الكبير في رؤى البلدين حول النظام العالمي” مما ساهم في نضوج العلاقة وخلق تحالف حول قضايا الأمن، ومكافحة الإرهاب، وغيرها من المهام المشتركة.

في سياق تعليقاته، أوضح هيكل أن “القيادة السعودية تسعى إلى أن تكون العلاقة أكثر رسمية، وأن تتمتع بنفس نظرة الولايات المتحدة التي تتجه بها نحو اليابان أو كوريا الجنوبية”. وأضاف أن “مع بقاء النفط سلعة ضرورية، ترغب الولايات المتحدة في التمتع بعلاقة جيدة مع أكبر منتج للنفط في العالم”، مشيرًا إلى التوتر الذي واجهته الإدارة الأميركية في بداية فترة الرئيس السابق جو بايدن حيث أدرك أهمية السعودية عند تفاقم أزمة أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، موضحًا أنه “من الخطأ تصور هذه العلاقة كعملية مقايضة تخص النفط مقابل الأمن… إنها أوسع بكثير، ولكــن هذين العنصرين: الأمن والنفط لا يزالان جزءًا أساسيًا من المصالح التي تجمع بين البلدين”.

«أميركا أولاً» و«رؤية 2030»

عند النظر إلى التغيرات الحاصلة في سياسة الولايات المتحدة ضمن إطار “أميركا أولاً” والسعودية في ظل “رؤية 2030″، اعتبر هيكل أن “واشنطن والرياض تتبنيان رؤية عالمية قائمة على المصالح المتبادلة كأساس للعلاقات الدولية”، مشيرًا إلى أن “مصالح المملكة والولايات المتحدة تتقارب الآن، وقد تقاربت لعقود طويلة حول مجموعة من المبادئ مثل الاستقرار، والنظام، والازدهار، ومكافحة التطرف، والآيديولوجيات الثورية، وتعزيز التجارة الحرة، ووجود نظام اقتصادي يعتمد على الدولار كعملة احتياطية”.

كما أشار هيكل إلى أن “التعاون بين السعودية والولايات المتحدة، من وجهة نظر الرياض، قد أسهم في تحقيق الرخاء والتنمية في المملكة”، مبرزًا أن كل رئيس أميركي “يدرك عند توليه المنصب أن النظام الاقتصادي العالمي المستقر يتطلب شراكة مع المملكة العربية السعودية”. وأعرب عن اعتقاده بأن “الرئيس ترمب يدرك ذلك جيدًا” وأنه يعي أهمية العلاقة مع السعودية.

التزام سعودي بدولة فلسطينية

شدد هيكل على أن “السعودية كانت ولا تزال ملتزمة بالقضية الفلسطينية”، موضحًا أن “لدى المملكة رؤية لإنهاء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي من خلال حل الدولتين، وهو أمر لطالما دعمت القيادة السعودية لعقوده طويلة، وليس فقط في الفترة الأخيرة”.

وأشار غوس إلى أن الرئيس ترمب “يسعى بالتأكيد لإشراك المزيد من الدول العربية، والسعودية على وجه الخصوص، في (اتفاقات إبراهيم)”، مؤكدًا أن “ولي العهد السعودي لديه رؤية لمملكة أكثر استقرارًا في الشرق الأوسط، والمملكة التي تعتبر جسراً في الاقتصاد العالمي بمزيد من المجالات غير النفطية مثل التجارة، والنقل، والسياحة”.

كما أضاف هيكل أن “لدى الرئيس ترمب بالتأكيد رؤية للشرق الأوسط، مستوحاة بشدة من الرؤية السعودية للمنطقة”، مشيرًا إلى أن ترمب يسعى للفوز بجائزة “نوبل” للسلام لإنهاء النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، معتبراً أن “القادة السعوديين سيكونون سعيدين جدًا بحصوله على هذه الجائزة”، بشرط “تحديدهم الواضح لما يحتاجون إليه، حيث لا يمكن تحقيق النظام والاستقرار والسلام من دون إقامة دولة للفلسطينيين”.

«احتواء» إيران

رغم الضربة الكبيرة التي تلقتها إيران من قبل إسرائيل وأميركا خلال “حرب الـ12 يومًا” في يونيو (حزيران) الماضي، لكن مع ذلك رأى غوس أنه “من المبالغة وصف الإيرانيين بأنهم قد مُهزموا تمامًا بشأن طموحاتهم الإقليمية”، معتبرًا أن “إيران لا تزال موجودة في اللعبة” وأنها “ستكون على جدول الأعمال، لكن هناك اختلاف بين وجهات نظر إدارة ترمب والسعوديين حول إيران”.

يدعم هيكل هذا الرأي، حيث قال إن “السعودية ترى في إيران جارة ودولة ذات تعداد سكاني كبير وكفاءات مهدرة، وينبغي أن تعيش في سلام وازدهار كجزء من هذا الشرق الأوسط الجديد الذي تسعى السعودية لتأسيسه”، لكنه أشار إلى أن إيران ستواجه “سياسة احتواء وتقييد”، موضحًا أن “امتلاك تحالف أمني قوي مع الولايات المتحدة يعد أمرًا بالغ الأهمية، فهو شكل من أشكال الردع، ويهدف إلى إبلاغ الإيرانيين بأن مهاجمة السعودية ستكون مكلفة جدًّا”.

السودان واليمن

أما بخصوص النزاع في السودان، الذي أسفر عن العديد من الضحايا، اعتبر غوس أن “السودان ليس على رأس قائمة أولويات إدارة ترمب” على الرغم من رغبتها في “مستقبل سلمٍ للسودان”، موضحًا أن الرئيس ترمب “لا يبدو مستعدًا لاستغلال قوته السياسية لمحاولة جمع الأطراف المحلية في السودان، أو لإيجاد الداعمين الخارجيين لتحقيق نوع من الاستقرار في السودان”.

في المقابل، لدى هيكل وجهة نظر أخرى، إذ يرى أن “النزاعين في اليمن والسودان ذا أهمية استراتيجية وأمنية للسعودية”، مؤكدًا أن “السعوديين يرغبون في إنهاء النزاعين بأسرع وقت ممكن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى