تعد التصنيفات الدولية للجامعات واحدة من أكبر الأكاذيب والفخاخ التي وقع فيها التعليم العالي، ليس في مصر فحسب، بل على مستوى كافة الدول العربية، حيث أصبح التركيز على تحقيق مراكز متقدمة في هذه التصنيفات هدفًا أساسيًا يتم السعي إليه بكل الوسائل الممكنة، حتى وإن كانت هذه المراكز متأخرة.
فقد قررت جامعة زيوريخ السويسرية، على سبيل المثال، الانسحاب من التصنيفات العالمية رغم حصولها على المركز 91 في تصنيف QS لعام 2024. وأوضحت الجامعة في بيان لها أن هذه التصنيفات تركز على الكم ولا تعير اهتمامًا للجودة أو نوعية التعليم، مما يجعلها تفتقر إلى الأولوية في تقديم تعليم متميز.
وفي وقت سابق، وتحديدًا في 29 فبراير 2016، نشر الباحث شيرابي مساشي، أستاذ مشارك في تخصص "ساينتومتركس" بكلية الدراسات العليا في الهندسة بجامعة طوكيو للتكنولوجيا، مقالًا بعنوان "التصنيف العالمي للجامعات: كيف يتم قياسه؟" على موقع "اليابان بالعربي".
أوضح مساشي في مقاله كيفية قياس التصنيفات العالمية وأشار إلى أن هذه التصنيفات لا ينبغي أن تكون هدفًا أساسيًا أو سياسيًا، وأنها تخضع لتحولات كبيرة تعتمد على سياسات المؤسسات المنتجة لها والبلد الموجود فيه، وليس على احتياجات كل مجتمع على حدة أو البيئة المحيطة. كما ذكر أن جامعة طوكيو قد حصلت على مركزين متناقضين في تصنيفين مختلفين، أحدهما متقدم والآخر متأخر.
للأسف، وقع المسؤولون عن التعليم العالي في الوطن العربي ومصر في نفس الفخ، حيث أصبح التركيز الآن على الكم في نشر الأبحاث لتحقيق مراكز بتلك التصنيفات من خلال تحقيق رقم في معدل الاستشهادات. ومن عام إلى عام، تصدر قرارات جديدة تزيد من عدد الأبحاث المطلوبة للترقيات، دون أن يأخذوا في الاعتبار الجودة أو مضمون الأبحاث ومدى خدمتها لاحتياجات المجتمع المحلي أو قابليتها للتطبيق الفعلي. كما لا يتم توفير موازنات لائقة وربط الأبحاث بمؤسسات المجتمع المدني لدعمها وتنفيذها والاستفادة منها.
بل تم وضع شروط لمناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه تتطلب نشر بحث من الرسالة قبل مناقشتها، رغم أن الباحث في مرحلة الماجستير لا يزال يخطو خطواته الأولى في البحث العلمي ولم يصل إلى مرحلة النضج، فلا يزال أمامه مشوار طويل ليكتسب خبرة تؤهله لنشر دراساته وأبحاثه.
كما أن اهتمام المسؤولين في مصر بهذه التصنيفات لا يقتصر على التفاخر بالمراكز المتقدمة وإطلاق سيل من التصريحات الصحفية التي تتباهى بدخول جامعة ما في تصنيف من التصنيفات، بل يسعى البعض لزيادة أعداد الطلاب الوافدين من الخارج إلى الجامعات المصرية.
فالتصنيفات العالمية أصبحت تُستخدم كوسيلة لجذب الطلاب الوافدين، تحت زعم أن وجود الجامعة بالتصنيف يعكس مستوى التعليم العالي في البلاد، إلا أن هذا الاهتمام في الغالب لا يترجم إلى تحسين حقيقي في جودة التعليم، بل يقتصر على محاولات إظهار صورة غير حقيقية للجامعات المصرية، مما يجعلنا نركز على تصدير التعليم بشكل يناسب أرقام التصنيفات فقط، دون التركيز على تحسين مخرجاته.
نحن نزرع في أرض غيرنا، حيث نقدم جهود الباحثين المصريين لتستفيد منها دول أخرى، التي تستشهد وتبني على نتائج أبحاثنا وتحقق منها منتجات ودراسات تطبَّق فعليًا وتخدم مصالحها، لأنها تمتلك الإمكانيات والتسهيلات التي تجعل هذه الأبحاث قابلة للتطبيق والتنفيذ، بينما نعود نحن لاستيراد هذه المنتجات منهم، ليصبح حق الانتفاع بها في أيديهم لا في أيدينا، بسبب وجود معوقات عديدة تحول دون تطبيق غالبية الأبحاث والدراسات المصرية، أهمها ضعف الإمكانيات والموازنات ورواتب الكادر الجامعي والبحثي. تلك الأبحاث غالبًا ما تجد مكانها في رفوف المكتبات يعلوها الغبار، وتستخدم كمراجع سابقة فقط، وتُحسب في النهاية كأرقام سنوية تذكرها التصريحات الرسمية عند تحقيق مراكز متأخرة في بعض التصنيفات.
إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق